Home ] بداية للخطو ] المعذبون في الفردوس ] في ليالي ] ؟ ] مارس الحزين ] الخطيئة ] شهد ] ضياع ] إنصاف ] وظيفة شاغرة ] [ ثرثرة على قبر مجنونة ] إضاءة نقدية ] دفتر الزوار ] مصمم الموقع ]

ثرثرة على قبر مجنونة

 

كسر حاجز الخجل، وأرداه جذاذاً،  كما كانت تفعل أمة  بأواني المطبخ،

وأبحر في عينين سوداوين كسواد شعرها الذي فاق على الليل البهيم . أتخذ من شعوره زورقاً ، ومن إحساسه مجدافاً ..وأخذ يجدف في عينيها حتى ما وراء الأعماق.

نسج من رموشها السحرية مظلة يستظل بها من حر شمس بلادهم القائظ .. من أنفاسها الدفء الذي لم يجده في تلك البلاد، التي قضمت غربتها نخاعه .. أرسى بزورق مشاعره إلى تنهدات فتاة أحبها من أول .. أو ربما من قبل أن يعرف ذلك الإحساس في قلب مراهق وهما يلعبان في سكك الحي.

تمنى ساعتها أن يلمس يدها كما كان يفعل وهما طفلان ، قد غسلت فيهما الطفولة إحساس التفريق بين الذكر والأنثى .. كما هو الحال في سنهما هذه.واشتهى خديها ، الذين كانا كأسنانها اللؤلؤية.

لا يزال ذلك الجرح باقياً في إبهام يدها اليسرى ، والذي سببه أمه حين حطمت صورة زوجها الذي رسم فيها لعبة الجنون بتصرفاته الصبيانية، فارتوت قطع زجاج الصورة بقطرات دمها الزكي ، الذي عطره جو الريف البكر,, وهي تحاول التقاط جذاذ كان يغطي وجه خالها.

 

***

 

-خالد عظم الله أجرك .. وغفر للفقيدة.

*صدقيني .. لم يهمني موتها أو حياتها ، فلم تكن بالنسبة لي إلا كوحش لم يكن همه سوى التكسير لكل شيء صنع من زجاج.. لكن ما أخشاه هو أن تسري هذه الهواية في دمي ، وأن تستقر الفكرة في خيالي بعد رحيلها.

أشعر أنها لم تترك لي في وصيتها إلا ثلاثة أشياء .. لون عينيها الزرقاوان، والذي أخذته أصلاً من جدتها الساحرة التي كان لها ست أصابع في كل يد ..والشي الثاني الكوابيس والصراخ في المنام.. وثالثها فاتورة ذات عدد كبير يراد أن يغادر جيبي الفارغ أو حتى أن أختلقه بوسيلة ما . لكن أحمد الله على شيء واحد لرحيلها ، هو توقف الأعداد التي يرسمها محاسب المصحة في تلك الفواتير الثقيلة.

-لكن هي التي ضحت بأحاسيسها، وبكتلة ما في دماغها حتى يراك أبوك وأنا والناس في الشارع وفتيات الغرب.

*لا تقولي هذا .. فأنا لم أرد أصلاً أن أكون.. أو بالأحرى ما أردت أن تكون هي التي حملتني بين أحشائها.

-أنت لم ترد ، لكن أبوك أراد ذلك .. فقد أصر أن يكون لهما ولد ، رغم علمه مسبقاً بما سيؤول إليه الأمر ، وألقى بكلام الأطباء في حفرة التنور.

*إذن ما ذنبي أنا.. أن تركني معها و رحل إلى ما وراء الخليج.. وترك طفلاً لا حول له ولا قوة بين أيدي امرأة ، فقدت عقلها مع أول صرخة لطفلها في الوجود؟.

-مع معرفتك بكل هذا، وبكل الوخز في مشاعرها  وأنت تلومها ولا تلومه هو! .. فقط لأنك لم تره في حياتك إلا وهو بين أضلع البرواز، وجدتها هي بكل مشاعرها وعقدها بين عينيك.. أتذكر حين ألقيت بها في مصحة الأمراض النفسية ؟.. وفعلت مثل ما فعل سافرت وطوتك الغربة في أرض الجليد. إني لأفقد الآن ثقتي فيكم أيها الرجال.

*لكن أنا عدت .. عدت إليك وفي داخلي أفكار غير التي كانت تصرخ في ذهني عدت لأجعل من أفكاري طريقاً نمشي به معاً في هذا الوجود المزدحم بالأفكار الغثة والسمينة . وآخذك معي في زورقي لنسرح في جو هذا العالم الذي لم يحلم يوماً ما واحد  من أقزام هذه القرية أن يدلف أبوابه ، أو أن يعايش أهله في سلوكهم الناضج.

-لا .. لا تتم هذيانك هذا في وصف عالمك، فأنا من الاستحالة ما هو مستحيل منها ، أن أغادر جو هذا الريف الذي صنع من مشاعري إحساسا عشته وسأواصل فيه ما حييت، واحتفظ بهوسك هذا لنفسك واتركني أعيش مع جو بيئتي الساحر والذي سأختنق إن غادرته كما تختنق السمكة إذا غادرت الماء.

 

 

Home ] بداية للخطو ] المعذبون في الفردوس ] في ليالي ] ؟ ] مارس الحزين ] الخطيئة ] شهد ] ضياع ] إنصاف ] وظيفة شاغرة ] [ ثرثرة على قبر مجنونة ] إضاءة نقدية ] دفتر الزوار ] مصمم الموقع ]